ترنيمة المصاعد / حجارة حية

16 ديسمبر 2025

هوت رأس المطرقة النحاسية على كتلة الجبل الحجري مرارًا لتقطتع منه أحجارًا كبيرة، تفصلها بعد ذلك بأسافين نحاسية طويلة إلى قطع أصغر. وبينما اعتدّت القطع الحجرية الكبيرة بنفسها وقوتها، تناثرت الصغيرة يائسة لا تدري أيّ مصير ينتظرها!مضت أسابيع عانت فيها الحجارة من ضجيج أصوات الآلات، وآلام المطرقة الحادة فوق رؤوسها، تعرّضت كل واحدة منها لعمليات تقويم واستعدال لتكون في أفضل صورة تصلح للبناء.. وبدا أن الأتعاب في طريقها إلى الإنتهاء الآن، فما ان انتهى العمل في الأحجار، حتى امتدت الأيادي تجمعها كلها في صفوف متراصة لتنقلها إلى حيث تُبنى المدينة، وسورها الحصين.أصغت الحجارة بلهفة إلى حديث الرجال عن تلك المدينة الجديدة التي سيُنقَلون إليها، مدينة السلام، أورشليم.. لكم كان الاسم مُحبَّبًا، وقعه أراح أتعابهم وآلامهم طوال الأشهر السابقة. أيّة سعادة ملأتهم حينما عرفت الأحجار أنها لن تشترك في بناء المدينة المقدسة، بل بيت الرب نفسه! في أجسامها ستتردد صلوات وتسابيح إلى مدى الأيام، لطالما وقفت هناك شامخة!في الطريق الصاعد إلى أورشليم، كانت الحجارة تترنم معًا نشيدها، "ترنيمة المصاعد"، رددها من بعدهم كل الصاعدون الجبل للصلاة في المدينة المقدسة..«فَرِحْتُ بِٱلْقَائِلِينَ لِي: "إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ نَذْهَبُتَقِفُ أَرْجُلُنَا فِي أَبْوَابِكِ يَا أُورُشَلِيمُ...أُورُشَلِيمُ ٱلْمَبْنِيَّةُ كَمَدِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ كُلِّهَاحَيْثُ صَعِدَتِ ٱلْأَسْبَاطُ - أَسْبَاطُ ٱلرَّبِّ – لِيَحْمَدُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ...لِيَسْتَرِحْ مُحِبُّوكِ. لِيَكُنْ سَلَامٌ فِي أَبْرَاجِكِ، رَاحَةٌ فِي قُصُورِكِمِنْ أَجْلِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا أَلْتَمِسُ لَكِ خَيْرًا".»في خلال شهور قليلة كان للمدينة الحصينة سور متماسك لا تنفصم رُبُطه.. اتخذ كل حجر منها موضعه، من صغيرهم إلى كبيرهم.وتلاشت مخاوف الحجارة باختلافها، اذ لم يوجد حجر وحده.. لم يوجد مرذول ولا مُهمَّش ولا من لا قيمة له؛ بل من كان يبدو ضعيفًا بالأمس، أصبح سندًا يسد ثغرة لكي لا تنفذ منها الثعالب الصغيرة.. ومن كان قويًا كبرج عظيم ثم سقط وترضّض، وجد حجارة تسنده وتحميه متى أعاده البناءون إلى موضعه برفق.استراحت الأحجار بعد حين مطمئنة، متماسكة، لا تتزعزع بعد.. وإن استمرت في تسابيحها السرية، تجاوب بها تسابيح البشر المتردّدة في جوانبها:"مباركة هي أورشليم التي تقبل إليها وفيها الجميع..مباركة هي أورشليم، حيث يحيا الساكنون مطمئنون، متفقون بمحبة حقيقية إنجيلية، يسبحون الله معًا مثل قيثارة تنشر نغماتها حبًا وسلًاما على الأرض كلها..مباركة هي أورشليم، مسكن الله مع الناس، على الأرض وفي السماء.."
ماجي حسني

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل