حياتنا في المسيح
18 نوفمبر 2025
الحياة المسيحية ليست مجرد الاعتقاد بمجموعة من المبادئ والتديُّن بها أو اعتناق بعض الأفكار والسير خلفها أو تبنّي لأيدلوجيات والدفاع عنها هي ليست مجرد معتقدات أو مبادئ إصلاحية أو أفكار مذهبية وإنما الحياة المسيحية في جوهرها وبساطتها هي حياة الشركة مع الله الآب في الابن بالروح القدس فالحياة المسيحية هي الحياة مع الله من خلال عمله المستمر فينا ولذلك تبدأ حياتنا بايماننا بشخص الابن الكلمة ما قدمه لنا من خلاص وفداء ومعرفة وحياة وتستمر بقيادة الروح القدس والخضوع له والسير معه من خلال حياة شاهدة وعاملة وفاعلة ومقدسة وتنتهي بشركة مع الله الآب حيث نحيا ونتمتع بأبوة الله ونُؤهَّل لشركة ميراثه الأبدي الذي هو ميراث الأبناء والأحباء من أجل هذا قيل عن "نعمة الحياة في المسيح " وهي التي بدأت بنعمة الخلق واستمرت بعمل الفداء وتأخذ قوتها من سكنى الروح القدس وفعله وستكتمل بالحياة الأبدية معه إنها حياة النعمة والحق (يو1: 17) هي "النعمة" إذ وهُبت لنا مجانًا لإنها عظيمة وثمينة وغالية جدًا فهى ليست نتيجة مجهود إنساني أو عمل طبيعي ولم ننلها عن استحقاق أو جدارة أو كنتيجة أو مكأفاة "فنعمة الحياة في المسيح" وُهِبت لنا وانسكبت فينا من أجل عظم محبته الجزيلة وغنى رحمته العظيمة وهي "الحق" فالنعمة تقودنا إلى الحقيقة وهي بالضرورة تجعلنا نحيا بالحق ونسلك دائمًا فيه ونشهد عنه وقد نموت من أجله فالذي قبل النعمة ككنز سماوي وكنصيب صالح إنما في الحقيقة اختار أن يسلك في دروب الصليب ويحمله لذلك يتضمن الإيمان المسيحي فعلين أساسين الفعل الأول فعل الإماتة والثاني فعل الإقامة فعل الإماتة نناله من خلال باب الأسرار ومدخلها (سر المعمودية) حيث نموت مع المسيح نجوز شركة حقيقية معه من خلال نزولنا الى جرن المعمودية ثلاث مرات على مثال موته وقيامته نموت عن خطايانا عن ذواتنا يموت إنساننا العتيق نترك حياتنا القديمة والفعل الثاني هو فعل الإقامة والشهادة فنحن نموت لكي نحيا نُقطَع لكي نُغرَس في شجرة الحياة نخرج من حياة عتيقة وندخل إلى حياة جديدة شاهدة نترك حياة الجسد ونسلك بالروح (رو6: 4-6) وهذا ينمو فينا ويزدهر ويثمر بالحياة الدائمة والمستمرة في المسيح ومن خلال القراءات والصلوات والعبادات والأسرار الكنسية وفي القلب يأتي سر الأسرار وختم النعمة "سر الإفخارستيا" كينبوع لقيامتنا الدائمة وقوة لحياتنا الجديدة ودواء لضعفاتنا ومصدر لقوتنا وسر غلبتنا فالحياة المسيحية هي اختبار لفعل الموت مع المسيح وقوة القيامة مع الناهض من بين الأموات "يا مسيح الله الذي بموتك قتلتَ الموت الذي قتل الجميع بقوتك أقم ميتوتة نفوسنا" (صلاة قسمة للابن يا حمل الله) وبناء على هذا فعلى قدر شدة الموت تكون قوة الحياة وعلى قدر أمانة التخلّي يكون فعل التجلّي فينا فمن يموت بالحقيقية (الذات والأهواء والرغبات) ويتخلى عن مشيئته وإرادته الخاصة وراحته على قدر ما تسرى فيه النعمة وتعمل فتُغيّر وتقدّس وتجدّد وتتجلّى فيه حياة المسيح وتشرق فتفوح منه رائحة المسيح الزكية وتنتشر فالموت يسبق القيامة والصليب طريق المجد والكسر سر البركة والطاعة هي ينبوع حياة وهذا ما عبّر عنه معلمنا بولس قائلًا «لأَعْرِفَهُ وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ» (في3: 10) فالمسيحي الحقيقي هو من يستطيع أن يردّد مع معلمنا بولس «فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غل2: 20).
القس إبراهيم القمص عازر