سقوط وقيام كثيرين

30 ديسمبر 2025

في متابعة محاضراتنا الخاصة بالميلاد تتناول عبارة قالها سمعان الشيخ عن السيد المسيح "ها إن هذا وضع لسقوط وقيام كثيرين ولعلامة تقاوم "( لو ٢ : ٣٤ ) .
سقوط وقيام كثيرين :
عجيب أن يكون الرب سبب فرح للبعض وحزن للبعض الآخر فرح المجوس فرحاً عظيماً لما رأوا النجم ( متى ١ : ١٠ ) وسألوا عن مكان المسيح وقدموا له هداياهم وسجدوا له وآمنوا وبينما هم يفرحون به قيل عن هيرودس الملك انه لما سمع" اضطرب وجميع أورشليم معه" ( متى ٣:١ ) ميلاد المسيح كان سبب فرح المجوس وسبب اضطراب هيرودس في القيامة العامة سيفرح المؤمنون الحقيقيون بمقابلة الرب إذ يأخذهم معه على السحاب في المجد ويكونون مع الرب كل حين ومع ذلك فإن آخرين سيقولون للجبال غطينا ، وللتلال أسقطى علينا ( رؤ ٦ : ١٦ ) وذلك من شدة خوفهم كما يقول الكتاب "مخيف هو الوقوع في يدى الله الحي " ( عب ۱۰ : ۳۱ ) .
مجيء المسيح الثاني سيكون سبب فرح للبعض وخوف لغيرهم و في ذلك قال الرائى وستنظره كل عين والذين طعنوه وتنوح عليه جميع قبائل الأرض ( رؤ ۱ : ۷ ) .
ان القيامة اذن " سبب سقوط وقيام كثيرين " فيها يتقرر مصير البعض للسقوط والبعض للقيام كذلك كان عبور البحر الأحمر سبب سقوط وقيام كثيرين كان سبب خلاص أولاد الله وفى نفس الوقت كان سبب هلاك فرعون وكل جنوده ومن جهة مجيء السيد المسيح من الذين سقطوا ومن الذين قاموا بمجيئه ؟ وكيف كان مجيئه سبب بركة وخوف ؟
اول عدو سقط بمجيء السيد المسيح هو الشيطان لقد قال الرب عنه و أبصرت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء ( لو ۱۰ : ۱۸) نعم كل ما فعله الشيطان في آلاف السنين ضيعه السيد المسيح حينما قال على الصليب و قد اكمل فصار تعب الشيطان كله باطلا بما في ذلك ما سيجد من عمله بالنسبة إلى المفديين .كان مجيء المسيح خوفاً للشيطان الذي قال عنه الرب" رئيس هذا العالم قد دين " (يو ١٦: ۱۱) لذلك كان الشياطين يصرخون قائلين له " أجئت قبل الوقت لتعذبنا "( مت ۸ : ٢٩) وعبارة سقوط كثيرين لا تعنى الشيطان فقط بل كل جنده أيضاً كما قيل في سفر الرؤيا "حدثت حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وملائكته فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي كان يضل العالم كله طرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكته "( رو ۱۲ : ۷ - ۹ ) و آخر عدو سيسقط بتجسد المسيح وفدائه هو الموت وفي ذلك قال معلمنا بولس الرسول "متى سلم الملك لله الآب متى أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة آخر عدو يبطل هو الموت " ( ١ کو ٢٦،٢٤:١٥ ) من الأعداء الكثيرين الذين يسقطون الانسان العتيق إن الرب بتجسده وفدائه منح نعمة للمؤمنين ينالونها في المعمودية إذ يسقط الانسان العتيق يموت ويدفن ( رو ٦ ) ويقوم إنسان آخر في جدية الحياة على صورة الرب هو الذي قيل عنه "لأنكم جميعاً الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح" ( غل ۳ : ۲۷ ) حقاً اننا نرى في المعمودية سقوط وقيام كثيرين من الامثلة الجميلة للسقوط والقيام قصة شاول الطرسوسي
شاول الطرسوسي بكل جبروته الذي كان يأتي برسائل من رؤساء الكهنة ويجر رجالا ونساء إلى السجن شاول هذا لم يستطع أن يرفس مناخس وسقط لكى يقوم مكانه بولس الرسول الذي يتعب أكثر من جميع الرسل ويتكلم بلسان أكثر من جميعهم ويصنع المعجزات ويكرز ويؤسس الكنائس وينال إكليل الشهادة لقد سقط أيضا المعلمون الكذبة الكتبة والفريسيون والصدوقيون وأمثالهم من كهنة اليهود ورؤساء الكهنة.سقطت هيبتهم في أعين الناس وسقط تعليمهم وسقطت كبرياؤهم وأفحمهم السيد المسيح فى أكثر من مناقشة وأثبت للكل فساد ما يعلمون به ورأى الناس معلماً آخر عظيماً و بهتوا من تعليمه وكان يعلمهم بسلطان وليس كالكتبة وسار الكل وراءه وتركوا كل شيء وتبعوه وأخيراً تحطم الكتيبة والفريسيون بقول السيد المسيح لهم في ( متی ۲۳ ) ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون وشرح في تفصيل شديد كل اخطائهم وانتهوا من تاريخ اليهود ومحيط العمل الديني ليقوم مكانهم معلمون آخرون عينهم الرب وسقط الكهنوت الهاروني ليقوم كهنوت على طقس ملكي صادق وقال السيد المسيح فى تغيير هؤلاء الوكلاء" إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لامة تصنع ثماره" ( متى ٢١ : ٤٣ ) وبالمثل فعل مع الناموسيين والصدوقيين وشهد العالم سقوط كثيرين وفي سقوط كثيرين نضع أيضا الوثنية بكل رجالها كل فلسفاتها وفلاسفتها سقطوا سواء مدرسة الاسكندرية الوثنية التي سقطت أمام المدرسة اللاهوتية بالاسكندرية أو مثلما حدث في قصة اسطفانوس الشماس الأول الذي قيل عنه أن ثلاثة مجامع وقفت ضده الليبرتينيين والقيروانيين والاسكندريين مع الذين من كيليكيا وآسيا " لم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به "( أع ٦ : ٩ ، ١٠ ) ووقفت المسيحية في نشأتها في صراع مع الاديان الأخرى كما قال السيد المسيح و ما جئت لالتقى سلاماً على الأرض بل سيفاً أي الصراع الذي يقوم بين الإيمان وكل معارضيه وشهد العالم فترة من الكرازة ومن الاستشهاد ظهر فيها سقوط وقيام كثيرين أما ما سقط فهو الأديان الأخرى مع الدولة الرومانية التي استسلمت لتأثير المسيحية بعد كل اضطهادها لهاوسقطت مع الوثنية كل فلسفتها وكل حكمتها وتحقق قول الرسول "اختار الله جهال العالم ليخزى بهم الحكماء وضعفاء العالم ليخزى بهم الأقوياء واختار المزدرى وغير الموجود ليبطل ما كان موجوداً " وإذا بالصياد الأمى يقف أمام أساطين مجمع السنهدريم ليقول لهم في شجاعة ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس ويقف السيد المسيح ليقول "أحمدك أيها الاب لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للأطفال" وشهد التاريخ في انتشار المسيحية سقوط وقيام كثيرين ومن الذين قاموا ؟أولا أقام الرب المتواضعين .
لقد تحققت تسبحة السيدة العذراء التي قالت فيها " أنزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين "( لو ١ : ٥٢ ) هذه العذراء المسكينة اليتيمة التي سلموها لنجار يرعاها أصبحت جميع الأجيال تطوبها والمقيمون فى مزود البقر صاروا مقصد العالم كله والمزود صار مزاراً مقدساً تنحنى أمامه تيجان الأباطرة والملوك تطلب بركة ترابه والصيادون الفقراء صاروا قادة العالم و كهنته ورعاته ومعلميه الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً بل انه من الكثيرين الذين سقطوا مفاهيم كثيرة
كل مفاهيم الناس عن العظمة والقوة والحرية وما أشبه تغيرت إلى العكس ووضع السيد المسيح مفاهيم جديدة أقامها مكانها فلم يعد القوى هو الذي يضرب غيره على الخد الأول والخد الآخر إنما القوى هو الذي يحتمل كما قال الرسول "أطلب إليكم أيها الأقوياء أن تحتملوا ضعف الضعفاء" وأصبحت الحرية هي حرية الإنسان من الداخل وليست حريته من الخارج فى فعل ما يشاء وكما قال الرب" إن حرركم الإبن في الحقيقة أنتم أحرار" والعظمة صارت في الاتضاع وليس في الكبرياء ووضع الرب ذلك المبدأ الجميل "من رفع نفسه يتضع ومن وضع نفسه يرتفع من وجد نفسه يضيعها ومن أضاع نفسه من أجلى ومن أجل الانجيل فانه يجدها" كان المسيح نوراً جاء إلى العالم فانقشعت أمامه كل قوى الظلمة سقطت أمامه ولكنها قاومت كثيراً في باديء الأمر وبالأكثر قاومت علامته التي هي الصليب التي قال عنها سمعان الشيخ " وعلامة تقاوم " أننا على ابوب عام جديد ونريد أن تنطبق علينا عبارة قيام كثيرين فيقيمنا الرب بنعمته وبروحه القدوس وبعمله الدائم فينا يقيمنا عن يمينه ويقول لنا : " تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم " إنه أقام كثيرين بل لا تستطيع أن نحصى عدد من أقامهم ربوات ربوات وألوف أولئك الذين ينشدون الرب أغنية جديدة في ملكوته فلتكن نحن من هؤلاء الكثيرين الذين قال عنهم و في بيت أبي منازل كثيرة وأنا إن ارتفت أجذب إلى الجميع بقى ان نقول ان السقوط والقيام هنا على الأرض بصفة مؤقته يمكن أن تتغير بعد حين لتعد لسقوط وقيام أبديين وليت الجميع يهتمون بأبديتهم منذ الآن التناول أيضا لسقوط وقيام كثيرين لقيامهم في حالة الاستحقاق ولسقوطهم في حالة عدم الاستحقاق إذ يتناولون دينونة لانفسهم .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عظة البابا يوم 19/12/1980

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل